موريتانيا والصحراء: بيضتان في عش واحد/ محمدن ولد آكاه.
20/07/2008 - 17:24
في الخامس عشر من شهر مايو الماضي تلقيت دعوة كريمة من أخ كريم هو السيد محمد فال ولد سيدي ميله رئيس الرابطة الموريتانية لأصدقاء الصحراء الغربية، وذلك لحضور الاحتفالات المخلدة للذكرى الخامسة والثلاثين لاندلاع الكفاح المسلح ضد المستعمر الاسباني والمقامة في بلدة اتفاريتي المحررة والقيام بعد ذلك بجولة في مخيمات الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية القائمة في المنفى (منطقة لحماده جنوب الجزائر). لبيت الدعوة على الفور لأنني كنت أكن الكثير من الإعجاب والتقدير لشخص ذلك العصامي النبيل، كما كنت أتوق إلى زيارة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية والاطلاع عن قرب على كفاح ذلك الشعب العظيم ضد الاستعمار الاسباني أولا وضد المطامع التوسعية للجيران ثانيا.
وخلال الرحلة شاهدت بأم عيني وأدركت كم هو مضياف ذلك الشعب الذي لم تزده معاناة الحروب والتشريد على مدى أكثر من ثلاثة عقود إلا قوة وصلابة. لقد كانت مفاجأتي كبيرة وأنا المتأثر كغيري من بعض الموريتانيين بدعاية عملاء المخزن المغربي وطابوره الخامس في موريتانيا والتي تصف الشعب الصحراوي ب"المحاصر في مخيمات العار في تيندوف من قبل جبهة البوليساريو"، بعد أن أدركت ان هناك دولة قوية قدم جيشها البطل عرضا عسكريا رائعا رفع معنويات الجميع، كما قدم مواطنوها أروع العروض في الكرم والشهامة والإيمان بالقضية.
لقد كان الصحراويون جميعا جنودا في سبيل وطنهم لا فرق في ذلك بين رئيس ومرؤوس، فليس باستطاعة الزائر ان يفرق بين الوزير والمواطن البسيط لا في مظهره ولا في منزله ولا حتى في مستواه الفكري والثقافي؛ فالكل كأسنان المشط: مثقفون، متعلمون، مجاهدون لصالح وطنهم الذي ضحوا من أجله بالغالي والنفيس بغية تقرير مصيره ومن ثم استقلاله. وفي ما يخصنا كموريتانيين تم استقبالنا كإخوة بحفاوة منقطعة النظير، فلم نشعر أبدا بأية غربة لأننا بين إخوتنا لحما ودما وثقافة وتاريخا ووجدانا. لقد خاطبنا مرة أحد القادة الصحراويين ونحن في ضيافته قائلا: "ان مصيرنا وإياكم (مجتمع البيظان) مصير مشترك، ليس من خلال هويتنا الثقافية المشتركة فقط، وانما يجب ان يترجم ذلك في يوم من الأيام في وعاء سياسي اقليمي؛ فالغاية النهائية تتطلب الوحدة والتلاقي في اطار مشروع استراتيجي".
خلفية تاريخية
قضية الصحراء الغربية مصنفة لدى الأمم المتحدة في اطار تصفية الاستعمار وتقرير المصير وفق القرار 1514 المؤرخ ب 14 سبتمبر 1960 . وفي رأيها الاستشاري بتاريخ 16 اكتوبر 1975 أقرت محكمة العدل الدولية انها، ومن خلال المعلومات المقدمة لها، لا ترى وجود أي روابط سيادية بين اقليم الصحراء الغربية والمملكة المغربية أو موريتانيا، وعليه فلا وجود لأية روابط قانونية تعيق تطبيق قرار الجمعية العامة 1514 بخصوص تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية. وفي العام 1973 تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب. وفي 27 فبراير 1976 تشكلت حكومة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وهي عضو كامل العضوية في الاتحاد الافريقي منذ عام 1984 وتحظى باعتراف أكثر من 50 دولة بما فيها دول مثل جنوب افريقيا ونيجيريا والمكسيك.
الانتفاضة
في العشرين من فبراير 1987 شهدت مدينة لعيون مظاهرات عنيفة ضد الاحتلال المغربي وذلك تزامنا مع قدوم اللجنة التنفيذية الأممية الافريقية لدراسة إمكانية تطبيق استفتاء لتقرير المصير للشعب الصحراوي، كما شهدت مدينة آسا سنة 1992 انتفاضة كبيرة تواصلت في بعض المدن المغربية الجنوبية والمناطق الصحراوية المحتلة كالعيون واسماره. وفي عام 1999 كانت انتفاضة العيون المشهورة. وقد ووجهت كل هذه الانتفاضات بأساليب قمعية وحشية نتج عنها اختفاء قسري لآلاف الأشخاص لا يزال الكثير منهم في عداد المفقودين، كما طال الاعتقال التعسفي آلافا آخرين إضافة إلى انتهاج سياسة الترحيل القسري لآلاف الصحراويين واغراق المنطقة بعشرات الالاف من المستوطنين المغاربة.
وقد بلغت قوة الانتفاضة درجة من الإقناعية جعلت بعض نشطائها يتخلون عن الجنسية المغربية مما أدى إلى مواجهة بعضهم بشتى أصناف التنكيل.
ولعل ابرز ما حققته الانتفاضة هو فرض مجيء بعثة لتقصي الحقائق تابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان والتي خلصت في تقريرها الذي أعدته في سبتمر سنة 2006 إلى ان جل الانتهاكات المسجلة مرتبطة بمصادرة حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وتحقيق استقلاله. وقد أوصت هذه البعثة المجتمع الدولي بالتحرك من اجل تمكين الشعب الصحراوي من الحصول على هذا الحق.
كلنا في الهوى سواء..
لقد كان اكبر تحد خارجي واجه استقلال بلادنا هو مطالبة المملكة المغربية بها كجزء من أراضيها. وللأسف لقيت هذه المطالبة (لأسباب شتى) بعض التجاوب من بعض قادتنا السياسيين ونخبتنا حينها. وهو ما فرض علينا خوض معركة دبلوماسية شرسة انتهت بانتصارنا بعد أكثر من عشر سنوات. ويوما بعد يوم يتضح ان تلك المطالب والاطماع التوسعية تجاهنا لم تنته، وإنما وضعت في الثلاجة مؤقتا، كما يبرهن على ذلك ما ورد في الكتاب الأخير للوزير الأول المغربي الأسبق عبد اللطيف الفلالي وذلك في انتظار الانتهاء من المهمة الصحراوية التي يبدو أنها لم تكن "رحلة سياحية لمدة أسبوع" كما تصور الملك الحسن الثاني.
وتشهد الساحة الموريتانية هذه الأيام نشاطا محموما للطابور الخامس المغربي يهدف في ظاهره إلى مناصرة موقف المغرب من النزاع في الصحراء الغربية، وربما هو في باطنه وغايته النهائية تمهيد لشق الطريق أمام حلم "المغرب الكبير" ذي المساحة الشاسعة الموازية لمساحة الجارة الجزائر. ولقد ظهرت مؤشرات كثيرة تؤكد هذا الاحتمال. وكما ان المسيرة الخضراء التي احتل المغرب من خلالها أجزاء كبيرة من الصحراء الغربية في السبعينات كان لها أدلاؤها من الصحراويين أنفسهم، فإن المغرب وجد في بعض الموريتانيين أدلاء لمسيرة خضراء جديدة قيد التحضير ربما تهدف إلى احتلال موريتانيا.
وإننا إذ نذكر هؤلاء بمصير نظرائهم الصحراويين، ونذكر الجميع بمصير قدوتهم التاريخية: أبي رغال؛ دليل أبرهة الحبشي إلى مكة بهدف تدمير الكعبة المشرفة، وإذ نقول لهم ما قال ابو طالب لأبرهة من ان للبيت ربا سيحميه، نقول لأولئك الموريتانيين الذين يدعمون الموقف المغربي في النزال الصحراوي انه كان عليهم بالأحرى أن يدعموا إخوتهم لحما ودما في الاستقلال وفق ما ينص عليه القانون الدولي، وإذا لم يستطيعوا ذلك ولم يجدوا في أنفسهم الشجاعة عليه فإن عليهم ان يلتزموا بأضعف الايمان وذلك بالوقوف موقف الحياد: فإذا لم تستطع مساعدة أخيك في تخليصه من الأجنبي الغازي فلا أقل من ان تتوارى خجلا عن الأنظار. أما ان تساعد الغازي على أخيك وتطعنه من الخلف وتأخذ ثمنا على ذلك فهو أمر غير مقبول وغير شريف.
نحن والمغرب والجزائر
المغرب والجزائر دولتان كبيرتان شقيقتان مهمتان في منطقة المغرب العربي تربطنا بهما علاقات تاريخية يجب ان نحرص دائما على تدعيمها وتنميتها في اطار الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وإذا كانت الجزائر قد احترمت تلك المبادئ دائما في علاقاتنا معها فإن المغرب للأسف لم يحترمها دائما؛ إذ تتدخل في شؤوننا الداخلية. وبدل ان تتعامل مع الدولة تتعامل بشكل مباشر مع المواطنين مستخدمة في ذلك كل الأوراق مثل ورقة الشرف والعلاقات التاريخية المزعومة مع بعض مواطنينا والعرش المغربي، إضافة إلى المصالح التجارية لبعض التجار. وبهذه الطريقة خلق المغرب طابورا خامسا له في بلادنا مفضلا دائما سياسة تقديم المساعدات كرشاوي مباشرة لهذا الطابور بدل التعامل مع الدولة وذلك بغية شراء ذمم منتسبيه أو انفاق أمواله في البهرجة وتنظيم الرحلات السياحية لكسب العقول.
أما الجزائر فإنها تنجز المشاريع ذات النفع العام وتختصر تعاملات سفارتها على التعاون مع الدولة، ولم تكن لها أبدا أطماع توسعية في بلادنا. وبفضل مساعداتها لموريتانيا خرجت جامعاتها ومعاهدها المتخصصة 6000 إطار موريتاني كانت دولتنا الفتية في أمس الحاجة إليهم. ولولا مساعداتها لما كان لنا ان نؤمم ميفرما أو نضرب عملتنا الوطنية. كما انها كانت وراء بناء مصفاة البترول في نواذيبو في بداية السبعينات (وهي الأولى من نوعها في غرب افريقيا)، وبفضل الجزائر تمكنا من تشغيل هذه المصفاة التي كانت تزودها الجزائر بالنفط الخام وبأسعار زهيدة لدرجة أننا لم نشعر بالارتفاعات المتكررة لأسعار النفط في السوق الدولية خاصة في العام 1983 الناتج عن تداعيات الحرب العراقية الايرانية. ولم ترتفع أسعار النفط عندنا إلا بعد ان تم تحرير سوق المحروقات في نهاية التسعينات. وأكثر من ذلك فالجزائر هي التي استثمرت في قطاع الصيد البحري في بلادنا بواسطة إنشاء شركة "آلماب" التي نهبها الموريتانيون القائمون عليها لتتم ترقيتهم بعد ذلك إلى أعلى المناصب في الدولة. ولم تحتج الجزائر وانما انسحبت من القطاع بهدوء وسكينة. والجزائر هي التي أعلنت أكثر من مرة عن استعدادها لتمويل "طريق تيندوف- يغرف" والذي يبدو للأسف ان أنصار المغرب المتنفذين في موريتانيا يقفون ضده بقوة رغم ما له من أهمية استراتيجية واقتصادية على البلاد، وذلك خدمة لأولياء نعمتهم المغاربة؛ هدفهم في ذلك أن يبقى الطريق المغربي (الذي يمر عبر أراضي الجمهورية العربية الصحراوية المحتلة) هو الجسر الوحيد على الصحراء الكبرى الرابط بين شمال افريقيا وافريقيا السوداء والذي تحتكر المغرب فوائده الاقتصادية من خلال احتكار استخدامه والاستفادة منه لصالح الشاحنات المغربية فقط ومنع الشاحنات الموريتانية من الاستفادة منه بمنعها من دخول المغرب بحجة عدم استيفائها لشروط الفحص الفني، وهي حجة واهية ولا أساس لها من الصحة.
وإننا نستغرب وقوف السلطات الموريتانية مكتوفة الأيدي إزاء هذا العمل المنافي لمفاهيم السيادة والندية الدبلوماسية والمصالح المشتركة لما يمثله من انتهاك لمبدإ المعاملة بالمثل.
وفي النهاية لا يسعني الا ان أنبه الصحراويين والموريتانيين إلى المصير المشترك، وإلى الخطر المشترك. وأذكرهم بمقولة الزعيم الولي مصطفى السيد: "موريتانيا والصحراء بيضتان في عش واحد؛ وأي صدمة تصيب هذا العش ستكسر البيضتين معا".
المشاهدة: 414