يبدو أن الدولة بإهمالها لكل مكونات قبائل تكنة قد فتحت الباب بهذا الإهمال أمام جبهة البوليساريو لاستغلال شباب هذه القبائل في الدعوة إلى الانفصال من الداخل. وربما لو استمر هذا التهميش بنفس الوتيرة فستسحب البوليساريو الرصيد كله.. من يدري؟
تشكل قبيلة أيت لحسن إحدى قبائل تجمع ثكنة المعروفة تاريخيا بالتجارة، حيث كانت قوافلهم تغادر المغرب ما بين سوس والصحراء محملة بالسكر والشاي والسجاد، والأسلحة والملح وتتجه نحو السودان والسنغال وتحديدا إلى سوق أدرار، حيث تلتقي بضائعهم مع البضائع القادمة من هذين البلدين. كما تعد هذه القبائل من بين أهم قبائل الصحراء قوة وعددا حيث اشتهرت بالإضافة إلى التجارة، ببسالتها في الحروب وبولائها لسلاطين المغرب منذ القرن السادس عشر وإلى الآن. غير أن مجرى الأحداث والتطورات الحاصلة في بنية هذه القبائل جعلها لا تحظى بنفس الأهمية التي تحظى بها باقي قبائل الصحراء، ربما لأنها أعلنت ولائها التاريخي منذ بداية النزاع، وبالتالي تمت خندقتها من طرف الدولة في الإطار الوطني ولم تعد الدولة بحاجة إلى إدخال هذه القبائل في حساباتها السياسية المتعلقة بقضية الصحراء. هذا المنطق بالأساس ينطبق على قبيلة أيت لحسن، إحدى أكبر قبائل الصحراء عددا، حيث تنتشر هذه القبيلة على امتداد الصحراء كلها من واد نون إلى الداخلة، إلى شمال المغرب، فقد احتلت هذه القبيلة الرتبة الثالثة في الإحصاء الإسباني، كما أنها حاليا تشكل قوة عددية كبيرة في مدينة العيون والداخلة دون الحديث عن طانطان التي تعد إحدى أهم تمركزات هذه القبيلة، بالإضافة إلى واد نون عاصمة أيت لحسن ـ القصابي ـ أما في باقي المناطق المغربية فإنها متواجدة بكثرة في كافة المدن، سواء من حيث عدد سكان هذه القبيلة الذين استقروا بمدن الشمال، أو من حيث عدد الأطر التي تشتغل بشواهدها العلمية في كافة التخصصات.
المنزلة بين المنزلتين
غير أن هذه الكثرة العددية والمكانة التي تحتلها هذه القبيلة تاريخيا بين قبائل الصحراء،لا تنعكس إيجابا على واقع هذه القبيلة وأهميتها فهي لا تحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به بعض قبائل الصحراء، خصوصا ضمن المقاربات التي يمر منها الملف، ربما الأسباب عديدة ومتنوعة منها ما يعود أساسا إلى واقع هذه القبيلة نفسها وإلى مكوناتها القبلية، حيث تعاني القبيلة برمتها من واقع الانقسام والتفرقة، الشيء الذي لم يمكنها من فرض قوتها داخل النسيج السياسي الصحراوي. وبالتالي تعددت ولاءات هذه القبيلة داخل الصحراء، فأصبح فيها أتباع ومهللين لباقي القبائل الأخرى، مما أثر سلبا على موقع القبيلة وعلى تمركزها وراء زعامة قادرة على نقل رؤى و واقع هذه القبيلة إلى الجهات المعنية، فالقبيلة أساسا تعد أحد مكونات الصحراء وإحدى الركائز الأساسية في بناء و بلورة أي مشروع مستقبلي داخل هذه الأقاليم، و حين تفقد هذه القبيلة أحد مقومات قوتها، فإنها تتوارى إلى الخلف في حسابات الآخرين، وهو المعطى الذي تعاني منه حاليا قبيلة أيت لحسن. فهي في حسابات الدولة قبيلة وطنية لا ينازع أحد في ولائها للمغرب، وهي في نظر جبهة البوليساريو قبيلة موالية للمغرب وغير مرغوب فيها في إحدى فترات النزاع. لذا وجدت هذه القبيلة نفسها في منزلة بين المنزلتين، فلاهي حظيت بالاهتمام الكافي الذي يوازي وزنها من طرف الدولة المغربية، ولا هي قادرة على اتخاذ موقف حاسم أو على الأقل يساوم ويقايض بقضية ساوم بها البعض وقايض بها على مدار خمسة وثلاثين سنة.
سياسة الإبعاد
فأيت لحسن التي حسمت موقفها مند بداية النزاع ودافعت عن وحدة المغرب التاريخية هي نفسها أيت لحسن التي يتم استبعادها من كل المقاربات والوظائف السامية. فقد تم إبعاد العامل الوحيد الذي كان يمثل هذه القبيلة في أسلاك الداخلية بصورة مفاجئة إثر تداعيات أحدات سيدي إيفني الأخيرة، وكأنه المسؤول الوحيد عن ما وقع، في حين أن سيدي إيفني تم إخراجها من المقاربات التنموية للدولة مند زمن بعيد لحسابات يعرفها الكل، وتقديم هذا العامل ككبش فداء يعد تقديرا خاطئا من طرف الدولة لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار التوازنات القبلية في الصحراء، من حيث أن إبعاد هذا العامل الذي قضى أكثر من 30 سنة في أسلاك الداخلية وتدرج في كل مناصبها، وحظي باحترام كل مكونات المجتمع الصحراوي أو المحيط الذي اشتغل فيه، يعد إبعادا قسريا لقبيلة أيت لحسن ومكافأة لها على مواقفها النضالية والوحدوية من أجل مغربية الصحراء. فإيفني ليست المدينة الوحيدة في المغرب التي عرفت أحداثا واضطرابات، فكل مدن المغرب تعرف هذه الأحداث حتى تحولت إلى طقس يومي مألوف لدى المغاربة. ربما هذا الإبعاد أعطى درسا لقبيلة أيت لحسن حيث ظهر جليا لأعيان هذه القبيلة التي تنصب كل اهتماماتهم في الظرف الحالي على الصراع الانتخابي، أنهم لا يملكون وزنا قويا لدى الدولة، وأنهم أيضا لا يملكون مخاطبا قويا وشجاعا قادرا على توظيف المعطى القبلي في علاقته بالسلطة كما تفعل باقي القبائل، لذا كانت التضحية بعامل أو بغيره لن تحدث أكثر من زوبعة في فنجان، لأن مسار وموقع هذه القبيلة لا يشكل قوة ضغط كبيرة ولأنها القبيلة الوحيدة المنقسمة على نفسها في الصحراء لذا استحقت موقعها واستحقت معه كل هذا التهميش، وما المحاولات الجارية في العيون لتوحيد صفوف هذه القبيلة على مستوى اللوائح الانتخابية إلا يقظة متأخرة قد لا تنجح في تحقيق مراميها لغياب شروط نجاحها، ولغياب الحوار والتواصل بين مكونات هذه القبيلة ـ الحوار بين الأعيان والشباب، الحوار بين كل فصائل هذه القبيلة على مستوى كل المناطق ـ وغياب استراتجية مستقبلية و غياب زعامة قادرة على الحسم. في ظل كل هذه المعطيات ستظل أيت لحسن الحلقة الأضعف في مسلسل نزاع، وقضية تهمنا جميعا كصحراويين، وسيظل تعامل الدولة مع هذه القبيلة ومع مكوناتها مبني على مكانة هذه القبيلة وتموقعها الجيد داخل الأقاليم الجنوبية. فيبدو أن الدولة بإهمالها لكل مكونات قبائل تكنة قد فتحت الباب بهذا الإهمال أمام جبهة البوليساريو لاستغلال شباب هذه القبائل في الدعوة إلى الانفصال من الداخل. وبتمعن قليل لمن يقود الانفصال من الداخل سواء في العيون أو في الجامعات المغربية سنجد أن أغلب قيادييه ومناصريه هم من قبائل تكنة، فهل هو موقف ضد التهميش؟ أم محاولة لإثبات الذات سواء أمام المغرب الذي يهمش، أو أمام البوليساريو التي كانت لا تعترف بهذه القبائل عند بداية النزاع. يبدو أن الرابح هنا هو جبهة البوليساريو التي استطاعت أن تسحب بعضا من رصيد المغرب الوحدوي في الداخل و تحوله إلى ورقة ضغط أمام المنظمات الدولية، وربما لو استمر هذا التهميش بنفس الوتيرة فستسحب البوليساريو الرصيد كله.. من يدري؟.
x عامل إقليم تيزنيت سابقا، المنحدر من قبيلة أيت لحسن
عبد الرحيم بوعيدة
أستاذ بكلية الحقوق ـ مراكش
21/5/2009
http://www.alwatan-press.info/def.asp?codelangue=23&id_info=3759&date_ar=2009-6-2%2018:39:00