لا يتعلق الأمر بعنوان لفيلم أمريكي من أفلام الرعب أو الأكشن و لا حتى بفيلم مصري تعودنا مشاهدته قبل أن تدخل المسلسلات التركية و المكسيكية المدبلجة بيوت المغاربة،الأمر يتعلق فعلا بفيلم من أفلام ما يسمى بسينما الواقع كما هي في الثقافة السينمائية،برلمانيون مغاربة اختفوا مباشرة بعد سماعهم لخطاب الملك و التهام الحلويات و الشاي المباركين و تبخروا في الهواء تاركين وزير الداخلية و رؤساء المجالس البرلمانية في ورطة سياسية أو بالأحرى فضيحة بكل المقاييس تستهزئ بالسياسة و بخطابات الملك عن دور البرلمان في القادم من الأيام فكان الجواب عاجلا و طائرا كرسالة النائب البرلماني.
البرلمان يعني عند هذه الطبقة التي ابتلى الله بها المغرب هو خطابات الملك و الحلوى و العصائر و أشياء أخرى بعيدة عن هموم و انتظارات المغاربة خصوصا و أن هذا البلد مقبل على استحقاقات قريبة قد يكون مثل هذا التصرف غير الأخلاقي حافزا قويا للعزوف الإنتخابي لأن بهذا الشكل المخجل الذي هرب به برلمانيو المغرب لن نجد له تفسيرا سوى أن في هذا البلد نخبة سياسية لا تملك فن التوقع و لا تقرأ الإشارات و لا تهتم بدقة المرحلة التي أنهت القذافي طريدا في جحر و كأنه فأر مذعور إنه التاريخ الذي يجب أن نأخد منه العبر و الدروس خصوصا و أن المغرب لازال يراهن على استثناء لا يقاس عليه و لا يجب أن نتوسع في شرحه كما يقول رجال القانون أنفسهم.
البرلمان بهذه الصورة و الكلفة الاجتماعية الثقيلة التي تقدر بأكثر من أربعين مليار سنويا لا يعبر عن روح الدستور و لا عن الحراك العربي في أوج تجلياته و لا عن تطلعات المغاربة و انتظاراتهم لمؤسسة تشريعية لم تعد تصلح إلا للاحتجاج أمامها و كأنها مفتاح للحل في حين تحولت للأسف إلى جزء من أزمة عامة يعيشها المغرب أزمة النفور من السياسة و من طبقتها التي بخست العمل السياسي و لم ترقى به إلى بنية و فكر و ممارسة تؤدي إلى التغيير الذي بات مطلبا ملحا في هذه الظرفية الحرجة.
النخبة السياسية المغربية شوهتها المصالح و الأنانية المفرطة و تحولت إلى عبء ثقيل يتكرر كل خمس سنوات و كأنه قدر لا فكاك منه،الذين فروا من البرلمان مباشرة بعد خطاب جلالة الملك لا نفهم من خلالهم إلا أن الإشارات القوية التي ما فتئ الملك يكررها في كل خطبة تدخل من الأذن اليمنى لتخرج من اليسرى هكذا على الأقل ما نفهمه نحن الذين نتطلع إلى مغرب مغاير و إلا لماذا لا يقدم هؤلاء تفسيرا لما حصل،إنه العبث بمصالح و مستقبل هذا الوطن الذي يتعامل معه البعض بثقافة البورصة او عقلية الترونزيت لكن لا توجد إلا أقلية هي من تتعامل بعقلية الشهيد الذي يضحي من أجل أن يعيش الوطن كريما و مزدهرا.
هذه هي نهاية البرلمان المغربي الذي كتبها هؤلاء الذين خرجوا من الأبواب الخلفية و أشًر عليها السيد قوبة برسالة استعطافية و كأنه معطل يستجدي وظيفة في حين الأمر يتعلق بمشروع لفلذة الكبد،وا حسرتاه على ملايين الفلذات في هذا الوطن بدون قوبة و لا طوبة لهم الله و الإعتصام و هروات البوليس.
مستقبل المؤسسة التشريعية رهين بالتغيير و التغيير تقتله الأموال و التجارة و أسواق الانتخابات المفتوحة الآن على مصراعيها و حرب التزكيات و صراع النخب على الفراغ من أجل ملئه إما بالنوم أو الوجاهة أو الغياب هكذا ستكون الأمور في أحسن الأحوال لأن عدم صدور قانون عازل لمن أفسدوا الحياة السياسية في المغرب يعني رجوع نفس الأباطرة مسلحين بأموالهم و موائدهم مستفيدين من تقطيع انتخابي على المقاس و من قوانين انتخابية لم يصوت عليها أحد و من احتكار مطلق للداخلية للعملية الانتخابية برمتها لأن الطبقة السياسية ممثلة في الأحزاب المغربية ترضيها نصف الحقيقة و نصف الديمقراطية بينما لا يرضى الباحث سوى بكل الحقيقة و بكل قيم الديمقراطية كما هو متعارف عليها دوليا لذا نجد أن السياسة في المغرب لا تعرف المطلق و تكتفي بأنصاف الحلول،و من ينتظر التغيير عليه أن يتسلح بصبر أيوب لأن هناك أناس عهدوا الفساد و غير مستعدين للتخلي عنه حتى و لو خرج الشارع كله مطالبا برقبته،فهؤلاء لهم قراءة أخرى للواقع المغربي مفادها أن التغيير وهم و أن الديمقراطية و العدالة جرعات كما هو الدواء نفسه يجب منحهما عند الحاجة الملحة،الآن هناك دستور متقدم أكثر من اللازم و يجب حمايته و فرملته بنخب ما قبل الدستور فلا يمكن للمغرب أن يسير بدستور جديد و نخب جديدة مرة واحدة هذا حكم مطلق و السياسة لا تعترف إلا بالحلول الوسطى.
الصحراء التي أكتب عنها كثيرا لا يحضر برلمانيوها إلا لماما عذرهم معهم البعد الجغرافي و عدم وجود مشاكل عالقة للساكنة يكفي برلمانيونا من الحضور و يجعل حضورهم عند كل افتتاح مناسبة كبرى على السيد رئيس مجلس النواب مكافئتهم عليها لأنهم يبذلون أحيانا مجهودات جبارة حتى عند قراءة تدخلاتهم الشفوية القليلة لكنها كبيرة من حيث المغزى السياسي،المغرب لا يريد إلا طبقة سياسة صحراوية تجيد بالكاد فك رموز الحروف هكذا نحن و كما تولو يولى عليكم و كل هروب و الطبقة السياسية المغربية بألف خير .
د.عبد الرحيم بوعيدة
أستاذ بكلية الحقوق
مراكش